سوف يترك الرئيس بوش منصبه، دون أن ينهي أيا من الحربين اللتين شنهما بعد الحادي عشر من سبتمبر في أفغانستان والعراق.ليس هذا فحسب، بل إنه ينوي خلال الشهور القليلة المتبقية على إنتهاء فترة ولايته توسيع نطاق حربه على الإرهاب ليضم باكستان أيضاً. وباكستان في نظري تأتي في مقدمة الأخطاء التي ارتكبتها إدارة بوش في مجال السياسة الخارجية- لا يسبقها في ذلك سوى العراق. وعلى الرغم من أن بوش، كان قد تعهد عقب الحادي عشر من سبتمبر مباشرة، بأنه لن يتساهل مع الشر، لم تضع إدارته وقتا آنذاك، وسارعت بإقامة تحالف مع " برويز مشرف" الذي استولى على السلطة في باكستان عام 1999في انقلاب عسكري، والذي وصفه بوش آنذاك بأنه صديق وحليف وثيق لواشنطن التي بدأت تضخ للرجل مقابل لعب دور الحليف معاونات اقتصادية وعسكرية كبيرة تجاوزت منذ عام 2001 مبلغ 13 مليار دولار. ومن سوء الحظ أن مشرف لم يكن ديكتاتوراً فقط، ولكنه كان أيضاً رجلا غير كفء. فهناك موضوعان ميزا فترة حكمه: الأول، التآكل التدريجي لشرعيته داخليا مما أدى إلى إصابة البلاد بالشلل. الثاني، التآكل المستمر في سيطرة باكستان المهتزة أصلا على منطقة الحدود المتاخمة لأفغانستان، والتي تحولت إلى ملاذ آمن لـ"القاعدة" و"طالبان" بعد طردهما من أفغانستان عند غزوها 2001 . في تلك المنطقة الحدودية أسست "القاعدة" و"طالبان" معسكرات للتدريب ومناطق للتموين والاسناد. وعلى الرغم من أن المسؤولين المدنيين والعسكريين الأميركيين حثوا الجنرال مشرف مراراً وتكراراً على شن حملات على وجود "طالبان" و"القاعدة" في تلك المناطق، إلا أنه لم يفعل شيئاً ذا شأن في هذا الصدد. وعندما قيمت الولايات المتحدة ما فعله مشرف في مقابل الأموال التي ضختها إلى باكستان تبين لها أنه رهان خاسر. وهكذا فإنه وبحلول ربيع هذا العام، وعندما أصبحت أيام الجنرال في الحكم معدودة، قررت إدارة بوش التخلي عن صديقها وحليفها الوثيق. كي يملأ بوش الفراغ اضطر للجوء إلى للبنتاجون. وكان ذلك يعني أنه بعد سبع سنوات من الحرب في أفغانستان، وخمس سنوات في العراق، أصبحت باكستان هي المشكلة التالية التي ينوي الرئيس حلها بالقوة العسكرية. وهكذا ومن دون تفويض رسمي من الكونجرس، وفي غفلة شبه تامة عن الرأي العام الأميركي بدأت حرب جديدة في باكستان. وبدلاً من أن تكون باكستان صديقاً وحليفاً لواشنطن، فإنها تحولت إلى منطقة عمليات. ويلاحظ في هذا السياق أنه في الوقت نفسه التي تشجب فيه الولايات المتحدة روسيا بسبب انتهاكها لسيادة جورجيا، فإنها تنتهك سيادة باكستان في الوقت الراهن بشكل روتيني تقريباً. وأكثر التكتيكات المستخدمة في هذا الصدد هي الضربات الصاروخية بطائرات بدون طيار في المجال الجوي الباكستاني والموجهة ضد أهداف تعتقد القيادة الأميركية أنها تشكل ملاذات لـ"القاعدة" و"طالبان".ولا يقتصر الأمر على ذلك بل هناك أدلة متصاعدة تفيد أن الولايات المتحدة تنوي أيضاً وضع جنود على الأرض هناك. على ما يبدو أن إدارة بوش قد استنتجت أن باكستان تشكل العقبة الرئيسية لتحقيق النجاح في أفغانستان، وأنه طالما ظل المجاهدون قادرين على التسلل عبر الحدود الفاصلة بين البلدين دون عائق، فإن تحقيق النصر في أفغانستان سوف يظل دائماً هدفاً مراوغاً. يشرح الأدميرال "آدم مايكل مولين" رئيس هيئة الأركان المشتركة ذلك بقوله: لن نتمكن من تعقب وقتل المتطرفين، وهم يعبرون الحدود من باكستان إلى أفغانستان... ولكننا يجب أن نعمل على تدمير الملاذات الآمنة التي ينطلقون منها، ومن دون ذلك فإنهم سيواصلون عبور الحدود". والسؤال هنا: هل ستتمكن الغارات سواء الجوية أو البرية وحدها من القضاء على الملاذات الآمنة، وتطهير منطقة "وزيرستان" منها؟ الإجابة ليس هناك احتمال لتحقيق ذلك.. وكل ما يمكن لتلك الغارات أن تفعله- في أحسن الأحوال- هو إفقاد المجاهدين لتوازنهم. علاوة على أن الاستمرار فيها سوف يؤدي حتما إلى وقوع خسائرفي صفوف الباكستانيين من غير المقاتلين، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى مفاقمة المشاعر المناوئة لأميركا في باكستان بأسرها وليس في منطقة القبائل فحسب. علاوة على ذلك يمكن لمثل تلك الغارات أن تؤدي إلى تداعيات غير مقصودة، مثل حادث تفجير فندق ماريوت في إسلام أباد، بما يؤدي في النهاية إلى هز الاستقرار . والهدف الحقيقي الذي تتوخاه أميركا من شن تلك الغارت هو حث القيادات العسكرية الكبيرة في باكستان على العمل. ومما يشار إليه في هذا الصدد أن الجنرال " إشفاق كياني" رئيس الجيش الباكستاني، قد أعلن مؤخراً بشكل قاطع أن"سيادة البلاد وتكاملها الإقليمي سيتم الدفاع عنهما مهما كانت التضحيات"، كما أكد "كياني" أيضاً على أنه"ليس مسموحاً على الإطلاق لأي قوة أجنبية أن تقوم بعمليات على الأراضي الباكستانية". والسبب الذي يدعو كياني للتشدد في تصريحاته في رأيي أن كل اختراق من الطائرات الأميركية للمجال الجوي الباكستاني، وأي غارة تقوم بها قواتها أو طائراتها على قرية باكستانية تجعله يبدو في صورة الرجل الأحمق. والحقيقة أن المشكلة المتعلقة بسياسة حث القيادات العسكرية الباكستانية العليا على العمل هي مشكلة ذات شقين: الأول: أن الجيش الباكستاني، وإنْ كان كبير الحجم، فإنه ليس بارعاً في مجال مواجهة التمرد. الثاني: أن الأولويات الأمنية الباكستانية تختلف عن الأولويات الأميركية بمعنى أننا عندما يأتي الوقت كي نطلب من الجيش الباكستاني أن يفعل شيئاً من أجلنا فإنه لن يفعل ذلك، بل وقد لا يستطيع أن يفعله. لذلك فإنه وبدلاً من حث الجنرالات الباكستانيين على العمل قد يجد "البنتاجون" نفسه خلال الشهور القادمة منخرطاً في مهمة أخرى لا يستطيع الانتهاء منها. ومعنى ذلك أن بوش سوف يترك إرثاً آخر غير متوقع وغير مرحب به على الإطلاق لخليفته في المنصب. أندرو بيسيفيتش أستاذ التاريخ والعلاقات الدولية في جامعة بوسطن. ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"